فضل عبد الغني المؤسس والمدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة ترصد وتوثق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، تحدثنا معه في الذكرى الحادية عشرة لبدء الحراك الشعبي في سوريا عن الجرائم المستمرة التي ترتكبها الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد بحق المدنيين، وشرح بدوره كيف يتم اعتقال عامة الناس بشكل تعسفي واحتجازهم في ظروف مروعة، يتعرضون للتعذيب وجرائم أخرى، كما أنّ عائلاتهم قد تُركوا يُعانون دون معرفة مصير أحبائهم.
تشارك اللوحات أدناه بعض قصص الأفراد الذين تم اعتقالهم.
بعد 11 عاماً على اندلاع النزاع في سوريا، ما الذي يجب على العالم أن يعرفه عن الوضع في سوريا اليوم؟
على العالم أن يدرك أنّ جرائم ضد الإنسانية تُرتكب على نطاق واسع في سوريا منذ 11 عاماً، كما أنّ هناك العديد من أنواع الانتهاكات التي تمّ ارتكابها بشكل أساسي من قبل النظام السوري – والذي من المفترض أن يحمي الشعب السوري، ولكن على العكس من ذلك، فإنّ هذا النظام هو من يرتكب جرائم ضد الإنسانية بحق شعبه. ما يزال السوريون بلا حماية، وقد فشل المجتمع الدولي فشلاً ذريعاً في حماية السكان من حاكمهم ومن الجناة الآخرين، كما أنّ هناك عدم اكتراث بإنهاء هذا الصراع الدموي في سوريا.
أنتم تعملون على توثيق ممارسات نظام الأسد المتمثلة في الاعتقال التعسفي للمدنيين وتعذيب وإعدام المعتقلين. ما الذي نعرفه حيال السوريين المختفين أو المعتقلين؟
الشيء الوحيد الذي نعرفه هو المعاناة المستمرة لعائلاتهم. ليس لدينا معلومات حول مصير المختفين أو المعتقلين، وهذا هو سبب استخدام النظام السوري لهذا التكتيك، فهدفه تحطيم المجتمع، حيث يعاني المجتمع السوري بشكل كبير من هذا الانتهاك. فإذا ما قارنا عدد السكان المختفين بعدد السكان الإجمالي، سنجد أنها واحدة من أخطر الكوارث التي تلحق بالسكان، هناك أكثر من 102 ألف معتقل، بينهم نساء وأطفال، 87 ألف منهم لدى النظام السوري (والبقية معتقلون من قبل أطراف النزاع الأخرى)، وما يدعو للقلق هو أنّ البعض قد ماتوا بسبب التعذيب، لكننا لا نعرف بالتحديد متى أو كيف، كما أنّ عدم اليقين هذا يجعل من الاختفاء القسري ذا ضرر بالغ حتى عند مقارنته بالجرائم الأخرى.
هل هناك أية وسيلة متاحة للأصدقاء والعائلات للحصول على معلومات عن أحبائهم الذين ما زالوا في مراكز الاحتجاز؟
لا توجد طريقة للحصول على هذه المعلومات، وهناك فشل في وصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو محققين مستقلين إلى مراكز الاحتجاز، ولا أحد يعرف مصير المحتجزين في الوقت الراهن
ما الذي يمكن للناس والقادة في جميع أنحاء العالم فعله لمساعدة المحتجزين؟
يمكن للعالم أن يفعل الكثير للمساعدة. إذا نظرنا إلى أوكرانيا اليوم، فإنّ الغرب ينهض لمساعدة المدنيين الأوكرانيين، بينما لم يفعل الغرب ذلك من أجل السوريين، وهنا تتجسد سياسة الكيل بمكيالين. لم يتم على الإطلاق فرض عقوبات ضدَّ روسيا بسبب الجرائم التي ارتكبتها في سوريا، كما أنّ العقوبات المفروضة على الأسد منذ عام 2011 كانت طفيفة ولم تؤثر على نظام الأسد كثيراً، على الرغم من ارتكابه جرائم ضد الإنسانية منذ صيف 2011، والتي وثّقتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة.
يمكن للغرب أن يفعل أكثر من ذلك بكثير، على الرغم من أنّهم مارسوا الضغط على النظام السوري، لكن حلفاءه إيران وروسيا، لم يتعرضوا للضغط، ولذلك استمروا في تزويده بالأسلحة ومليارات الدولارات. نود أن نرى المزيد من العقوبات على إيران لدعمها النظام السوري، والمزيد من الضغط على روسيا بسبب ما فعلته في سوريا. يمكن للعالم أيضاً زيادة الدعم لعائلات المختفين، الذين يعانون، وربما يكون الأفراد الذين اختفوا هم معيلو أسرهم، الأمر الذي أجبر العديد من أفراد الأسر من النساء على أن تصبحن معيلات، بلا أيّ دعم إضافي.
هناك تقارير عن بضعة دول ترفض طلبات لجوء السوريين وتشير إلى ضرورة عودتهم إلى سوريا. هل سوريا مكان آمن للعودة إليه؟ ما هي المخاطر التي يواجهها العائدون؟
سيواجه العائدون الانتهاكات ذاتها، التي لطالما واجهها الناس في سوريا، فقد ارتكب النظام السوري جرائم واسعة النطاق، لكن العائدين إلى البلاد سيُعتبرون أعداء محتملين. سيتساءل النظام: لماذا فرّوا؟ وسوف يشكّك في ولاء العائدين، وأيّ شخص يعود سيواجه مخاطر جسيمة، لذلك لا نوصي أحداً بالعودة في ظلّ استمرار جرائم النظام السوري. إنّ من دواعي القلق الرئيسة هي الاعتقالات التعسفية، فهي لا تتم وفق خطوات إجرائية صحيحة أو مراجعة قانونية، ولا يعرف الضحية أو ذووه سبب اعتقاله، أو من الذين يقومون بالاعتقال، ثم يتم عزل المعتقل عن العالم الخارجي، وهذا أشبه ما يكون بالاختطاف، ومن يُعتقل في سوريا يتعرض لجرائم أخرى مثل التعذيب والقتل، وبعضهم يتم تجنيدهم قسرياً في جيش النظام السوري. إضافة إلى ذلك أشير إلى الانتهاكات المتعلقة بحق الملكية، لقد أرسى النظام السوري طريقة ممنهجة للاستيلاء على ممتلكات معارضيه أو نهبها، وتطال عمليات الاستيلاء والنهب هذه ممتلكات اللاجئين أو النازحين أو المعتقلين، وعليه، فإنّ أولئك الذين يعودون قد يواجهون المصير ذاته.
كيف تعمل قضايا المحاكم الحالية على تعزيز العدالة للناجين السوريين من الفظائع الجماعية؟ ما الذي يجب القيام به أكثر من ذلك لمحاسبة الجناة؟
تعتبر قضايا المحاكم لمحاسبة الجناة خطوة، لكنها خطوة صغيرة بعد 11 عاماً من الإفلات التام من العقاب، خاصةً إذا أخذنا بنظر الاعتبار خطورة الجرائم المرتكبة. لا نريد المبالغة في وصف تأثير الأحكام الصادرة، فهي تستهدف فقط من هم خارج سوريا، وحتى لو كانت هناك قضية ضد مسؤول يحمل أعلى رتبة في نظام الأسد، فلن يتمكنوا من اعتقاله. لكن ومن ناحية أخرى، يُعتبر هذا الأمر ضروري للضحايا السوريين، لأنّ الحكم الصادر ضدّ أنور ر (الجاني الذي أدين في محكمة ألمانية بالتعذيب والقتل والعنف الجنسي)، على سبيل المثال، يشير بوضوح إلى جرائم ضد الإنسانية، وهذا يُبيّن حجم الجرائم، ويُدين أشخاصاً آخرين في النظام بطريقة ما، فقط بالنظر إلى طبيعة تعريف الجرائم ضد الإنسانية. إنّ هذه القضية، على الرغم من أنها ركزت على جرائم شخص واحد، أدانت المنظومة كاملة بطريقة ما، وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للدول الأخرى التي ترغب في إعادة التواصل مع النظام السوري في الوقت الراهن، فالاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تدين النظام الأوسع في سوريا.