”اعتقلت السلطات الأمريكية، الشيخ على خلفية تورطه في جرائم حرب ارتكبها في سوريا وجرائم ضد الإنسانية في مطار لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، بينما كان يحاول الفرار باتجاه بيروت. لكن كيف تم اعتقاله وما هي قصة تواجده في الولايات المتحدة، وأي جرائم ارتكبها حين كان يخدم نظام الأسد، حتى وصف بـ”جلاد بشار”.
إجابات هذه الأسئلة وغيرها، ناقشناها مع فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والتي كانت من بين الجهات التي ساهمت في اعتقال سمير عثمان الشيخ، من خلال رصد وتوثيق الجرائم التي ارتكبها خلال مناصبه الرسمية في حكومة النظام السوري.
يقول عبد الغني إن سمير الشيخ جاء إلى الولايات المتحدة، بعد أن تقدمت زوجته التي تحمل الجنسية الأمريكية بطلب لقدومه، بينما تم اعتقاله بالاحتيال في الهجرة، وتحديدًا أنه نفى في طلبات التأشيرة والجنسية الأمريكية أنه اضطهد أي شخص في سوريا، وفقا لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي استبعد أن تكون هذه المخالفة هي المحرك الأساسي لاعتقاله، وإنما سجله المليء بالجرائم.
وبحسب الشكوى، ذكر الشيخ، المقيم في لوس أنجلوس منذ عام 2020، في طلب الحصول على الجنسية أنه لم يضطهد أبدًا بشكل مباشر أو غير مباشر أي شخص بسبب العرق أو الدين أو الأصل القومي أو العضوية في مجموعة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي ولم يتورط أبدًا في قتل أو محاولة قتل أي شخص. وهذا غير صحيح، بحسب عبد الغني الذي أكد أن الشيخ اضطهد المعارضين السياسيين وأمر بإعدام السجناء أثناء توليه منصب رئيس عدرا.
ماذا نعرف عن جلاد نظام الأسد؟
وفقا لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن سمير عثمان الشيخ، من أبناء محافظة إدلب، وهو ضابط سابق برتبة عميد، أحيل إلى التقاعد بداية عام 2011، وشغل عدة مناصب قيادية منها رئيس سجن عدرا المركزي بمحافظة ريف دمشق، كما شغل منصب رئيس فرع الأمن السياسي في ريف دمشق.
وفي 24 يوليو/تموز 2011 تم تعيينه محافظاً لمحافظة دير الزور، خلفا لحسين عرنوس، وبقي في منصبه كمحافظ لدير الزور حتى بداية عام 2013. يقول فضل عبد الغني إن تعيينه في هذا المنصب تزامن مع بدء الحراك الشعبي في محافظة دير الزور، وكان أحد أعضاء اللجنة الأمنية في المحافظة وهذه اللجنة معنية باتخاذ القرارات العسكرية والأمنية في المحافظة ويلعب أعضاؤها دوراً تنفيذياً وكذلك دوراً في اتخاذ القرارات إضافة الى عمله في التنسيق مع الأفرع الأمنية المسؤولة عن عمليات الاعتقال والمداهمات في المحافظة.
وكشف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان خلال حديثه مع “أخبار الآن” أنه خلال توليه منصب المحافظ قامت عناصر الجيش التابعة لقوات النظام السوري في أغسطس آب/ 2011 بالدخول إلى مدينة دير الزور لقمع الاحتجاجات الشعبية فيها.
يضيف: وحسب شهادات الناجين من الاعتقال في محافظة دير الزور ففي العديد من الأحيان كان يتم تجميع المعتقلين في مبنى المحافظة قبل أن يتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز في المحافظة.
كيف تمت ملاحقة الشيخ؟
يقول عبد الغني إن المنظمة التي يديرها وتعمل منذ 13 عاما على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لديها فريق ضخم يتمتع بخبرة كبيرة تمكنه من جمع البيانات وتوثيقها وأرشفتها بشكل يومي، وربطها بالأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وبالنسبة لحالة الشيخ، يوضح عبد الغني أنهم قاموا بمراجعة قاعدة بيانات الشبكة في الفترة التي كان فيها سمير في منصب قيادي يجعل منه بحسب سلسلة القيادة مسؤولاً عن الانتهاكات الفظيعة التي تقع ضمن صلاحياته، لأنه لم يعمل على منعها، بل ربما يكون طرف في إعطاء الأوامر، أو على الأقل غض الطرف عنها، كما لم يعمل على فتح أي تحقيق فيها، وكل ذلك يجعل منه بحسب القانون الدولي شريكاً فيها.
مسؤول عن مقتل قرابة 4 آلاف مواطن سوري
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان شارك مع أخبار الآن قائمة بأبرز انتهاكات القتل، الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب التي سجلتها الشبكة ووقعت في المدة التي تقلد فيها مناصب أمنية ومدنية في محافظة دير الزور منذ 2011 وحتى 2013.
من بين الأرقام التي شاركها معنا فضل عبد الغني، كان توثيق الشبكة مقتل 3933 مدنياً بينهم 312 طفلاً و261 سيدة على يد قوات النظام السوري والميلشيات الموالية له منذ نهاية أبريل نيسان/ 2011 حتى عام 2013، وكان من بين الضحايا ما لا يقل عن 14 مدنياً من الكوادر الطبية وما لا يقل عن 13 إعلامياً.
بالإضافة إلى الجرائم السابقة، تم توثيق ما لا يقل عن 659 حالة اعتقال، بينهم 31 طفل و19 سيدة، في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري في محافظة دير الزور، قبل أن يتم الإفراج عن 47 حالة منهم، وبيقي 612 حالة اعتقال، تحول منهم 508 إلى حالات اختفاء قسري.
تحرك دولي
وسلط اعتقال سمير عثمان الشيخ وهو من كبار الضباط السابقين في نظام الأسد الضوء على تحرك المجتمع الدولي لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا.
وفي مايو الماضي، حكمت محكمة فرنسية غيابيًا على ثلاثة مسؤولين سوريين رفيعي المستوى بالسجن مدى الحياة، بتهمة التواطؤ في جرائم حرب في قضية تاريخية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والحالة الأولى من نوعها على الأراضي الأوروبية.
وفي هذا الصدد يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنه يلمس بالفعل ذلك، ويرى تحركا فعالا من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم، وذلك بفضل الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني، التي قررت الدفع بهذا المسار، وتسخير كل قدراتها لتوثيق سنوات طويلة من الانتهاكات، ووظفتها في الدعاوى الدولية التي قد تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، لكنه رغم ذلك يعتقد أن النتائج جيدة ويطمح إلى تحقيق الأفضل.
رحيل نظام الأسد
وأكد عبد الغني على ضرورة أن يكون هناك محاسبة شديدة من مختلف دول العالم للنظام السوري بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه، مشددا على أهمية الرسالة السياسية هنا ومفادها أن هذا النظام لا يمكن إعادة تأهيله ولابد من استبداله، بعدما أصبح بعين المجتمع الدولي أنه نظام مجرم ملاحق.
وذكر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هناك اتفاقية تفاهم مبرمة بين الشبكة وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل المساهمة في عمليات التحقيق ومحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، مضيفا أن هذه الاتفاقية ساهمت بشكل كبير في ملاحقة مجرمي النظام.
وكشف عبد الغني أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ربما تكون المصدر الأول أو الثاني، طيلة الـ12 سنة الماضية بالنسبة لوزارة الخارجية الأمريكية، فيما يتعلق بالتقارير التي تتناول وضع حقوق الإنسان في سوريا.
واختتم عبد الغني حديثه مع أخبار الآن بالتأكيد على أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تضع إمكانياتها وبياناتها كافة تحت تصرف أي جهة دولية أو قضائية أو اقتصادية من أجل المساهمة في إنزال أي شكل من أشكال المحاسبة والعقوبة بحق النظام السوري وحلفائه، وكل مرتكبي الانتهاكات في سوريا”.