“14 عاماً من الجهد المتواصل ومنهجية صارمة ووثائق وشهادات ضبّاط منشقين” عن الأجهزة الأمنية في نظام بشار الأسد، أدت إلى وصول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لقائمة بأسماء أكثر من 16 ألف متورّط في جرائم وانتهاكات حقوقية ارتُكبت في مختلف أرجاء سوريا، بحسب مدير الشبكة فضل عبد الغني.
يقول “عندنا بيانات ووثائق من عند النظام نفسه تتضمن وثائق بأسماء حقيقية لهؤلاء، واتّبعنا منهجية صارمة في التوثيق حتى نتأكد، فهذا اتهام، ولا نريد اتهام أشخاص” أبرياء من انتهاكات النظام البعثي.
ووثقت الشبكة السورية، وفق بيان الاثنين، أسماء 16200 شخص متورّط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوقية، خلال أكثر من عقد، بينهم 6,724 فرداً من القوات الرسمية، التي تشمل الجيش وأجهزة الأمن، و9,476 فرداً من القوات الرديفة، التي تضم ميليشيات ومجموعات مساندة قاتلت إلى جانب القوات الحكومية.
يؤكد عبد الغني في محادثة هاتفية مع موقع “الحرة” أن هذا الرقم يُعلن لأول مرة من قبل الشبكة السورية، إذ تم التوصل في السابق لعدد المتورطين من القوات الرسمية فقد، دون الموالية لها.
ويوضح: “لدينا قوائم باسم ونوع الجرم والانتهاك الذي ارتكبه كل فرد. مثلاً، من يقف وراء قصف معين، أو من هم قيادات الأفرع الأمنية والضبّاط الذين يعملون بها”.\
وفي الفروع الأمنية، احتجز النظام السابق بشكل تعسّفي آلاف المعتقلين، الذين تعرّضوا للتعذيب ومختلف أنواع الانتهاكات الحقوقية، وفقد الكثير منهم حياتهم من جرّاء ذلك، وما زال عدد أكبر مجهول المصير، وتحاول المنظمات الحقوقية بالتعاون مع الأهالي والسلطة الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع الملقب بأبو محمد الجولاني، أن تكشف عن مصائرهم.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ مارس 2011 حتى أغسطس 2024، 157634حالة اعتقال وتغييب قسري، لدى جميع الأطراف المتنازعة في الخريطة السورية، بينهم 5274 طفلاً و10221 أنثى بالغة.
كما وثقت بين مارس 2011 ويونيو 2024، مقتل 231495 فرد، على يد مختلف القوى المسيطرة.
وفي الحالتين يتحمّل نظام الأسد المسؤولية عن الأغلبية العُظمى من عمليات القتل والاعتقال والإخفاء القسري، وفق بيانات الشبكة.
وقبل يومين، شارك عبد الغني إنفوغرافيك للشبكة على منصة إكس، يتضمن أبرز أسماء وبعض صور المتورطين في جرائم النظام السابق خصوصاً في ملف الهجوم بالأسلحة الكيميائية.
وقال إن هؤلاء يمثلون جزءا بسيطا “من قاعدة بيانات بقرابة ٦٠٠٠ شخص في نظام الأسد متورطين بجرائم ضد الشعب السوري، إلى جانب أدلة واضحة تُثبت تورطهم. بالإضافة إلى ذلك، لدينا قوائم أخرى تشمل أفرادًا آخرين من الشبيحة، فضلاً عن ممولين للنظام أسهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم انتهاكاته.
“الرسالة الأهم” لهذا الإعلان
يقول عبد الغني لـ”الحرة” إن هناك “رسالة هي الأهم” خلف بيان الشبكة الذي نُشر الاثنين عن عدد المتورطين بجرائم الأسد، وكذلك الخطوات التي “يجب اتباعها” ضمن آلية محاسبة للفنانين والممثلين والكتّاب الذين دعموا بشار الأسد.
والرسالة هي “تطمين عائلات الضحايا” وفق عبد الغني، مبيّناًَ أن هناك الكثير من التطمينات المُعلّنة بحق الجهات التي كانت موالية لنظام الأسد وضمان سلامتها وعدم انتهاج خطة انتقامية بحقها، وهذا “أمر مهم” ولكن “الأهم تطمين العائلات التي دفعت الثمن الأكبر (في الصراع السوري)، بأننا سنظل نسعى لمحاسبة ومحاكمة المتورطين في جرائم النظام”.
ويتابع الحقوقي السوري “يجب أن يطمئن الأهالي بوجود مسار عدالة انتقالية تضمن محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات عبر المحاكم، وليس بطرق أخرى”.
تعاون مع الحكومة المؤقتة
أشارت الشبكة السورية في بيانها الذي عنونته “لا بديل عن محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب” إلى التحديات الكبيرة التي تواجه عملية المحاسبة، إذ تتطلب تركيز الجهود القانونية والقضائية على القيادات العليا، تحديداً من الصفين الأول والثاني في الجيش وأجهزة الأمن، لكونهم المسؤولين الرئيسيين عن التخطيط للانتهاكات والإشراف المباشر على تنفيذها.
وشددت على أهمية ضمان الحقِّ الكامل للضحايا في رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين عن معاناتهم، بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم، سواء كانوا منفذين مباشرين أو مشرفين.
وفي 11 ديسبمبر الحالي، أكد قائد هيئة تحرير الشام الجولاني سابقاً، أنه لن يتم العفو عن المتورطين بـ”تعذيب المعتقلين” في السجون السورية، بعد إطلاق سراح الآلاف عقب الإطاحة بالأسد.
وقال في بيان نُشر على تطبيق تلغرام “لن نعفو عمن تورط بتعذيب المعتقلين وتصفيتهم.. وسنلاحقهم في بلدنا” مطالباً الدول “بتسليمهم من فرّ إليها من هؤلاء المجرمين لتحقيق العدالة”.
هل قدمتم أسماء المتورطين للحكومة المؤقتة في دمشق؟ يقول مدير الشبكة السورية فضل عبد الغني “لم نشارك القوائم مع السلطات الجديدة، لكننا أبدينا تعاوننا معهم منذ البداية، وتواصلنا معهم، بهدف اعتقال كبار المجرمين المتورطين في الانتهاكات”.
لكن لم يبدأ العمل على هذا الملف بشكل فعلي، ذلك لأن السلطة الجديدة “لا تزال مشغولة بملفات كبيرة” وفق عبد الغني، مضيفاً “نحن جاهزون للقائهم من أجل التعاون في هذا الملف وملفات أخرى أيضاً”.
وتعليقاً حول ما يُنشر بين فينة وأخرى على مواقع التواصل من صور وأسماء لأشخاص يُزعم أنهم متورطون في جرائم النظام، والدعوة للإمساك بهم، يقول عبد الغني إن النشر يجب أن يكون مدّعماً بأدلة تثبت علاقة المتهم بالجُرم، ومن مصادر موثوقة، وإلا فإن أي شخص يمكنه بدوافع انتقامية مثلاً أن ينشر صورة ومعلومات مزيفة.