وصف فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بيان خبراء الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات الأخيرة في محافظة السويداء بأنه “بيان متوازن وموضوعي”، مؤكدًا أنه يعكس إلى حد كبير ما وثقته الشبكة حول الأحداث، ويبتعد عن التضخيم والمبالغة التي غالبًا ما تشوب الخطاب الإعلامي للأطراف المتنازعة في سوريا.
وأشار عبد الغني في تصحريح لموقع تلفزيون سوريا إلى أن البيان الأممي سلّط الضوء على ثلاث جهات مسؤولة عن الانتهاكات بحق المدنيين، وهي:
-
قوات الهجري، التابعة لمجلس السويداء العسكري.
-
العشائر والبدو، الذين لا يخضعون لسيطرة الدولة.
-
قوات الأمن والجيش السوري.
وأكد أن هذه الأطراف مارست انتهاكات جسيمة، سواء بحق المدنيين من الطائفة الدرزية أو من البدو، من بينها القتل والحرق والتهجير.
حصيلة الضحايا: نحو ألف قتيل من المدنيين والمسلحين
كشف البيان أن حصيلة الضحايا تقترب من الألف قتيل، موزعين بين مدنيين ومسلحين من مختلف الأطراف. وأوضح عبد الغني أن هذا الرقم يتطابق مع ما وثقته الشبكة، محذرًا في الوقت نفسه من انتشار أرقام مضللة وغير دقيقة تصدر عن جهات غير مختصة، واصفًا تلك الإحصائيات بأنها “من وحي الخيال ولا يُعتد بها”.
وخلافًا لما يتم تداوله، شدد عبد الغني على أن النزوح في السويداء لم يقتصر على البدو، بل طال أيضًا عائلات درزية أُحرقت منازلها وقراها من قبل البدو وقوات الأمن. وقال إن هذا الجانب الإنساني “يجب تسليط الضوء عليه”، مؤكدًا أن هناك دروزًا شُردوا داخل السويداء نفسها.
وطالب عبد الغني بضرورة إجراء تحقيقات شفافة من قبل الدولة السورية والمؤسسات الدولية في الانتهاكات المرتكبة، مشددًا على ضرورة معالجة وطنية عاجلة للأزمة تضمن محاسبة الجناة من كافة الأطراف.
ودان عبد الغني ما وصفه بـ”التعميم المرفوض” الذي يربط الدروز جميعهم بدعوات الانفصال أو الولاء لإسرائيل، معتبرًا ذلك وصمًا جماعيًا خطيرًا لا أساس له من الصحة.
تقرير مرتقب من لجنة التحقيق الدولية
واختتم عبد الغني تصريحه بالتأكيد على أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا تجري حاليًا تحقيقًا موسعًا في أحداث السويداء، ومن المتوقع أن تصدر تقريرًا مفصلًا قريبًا، على غرار تقاريرها السابقة بشأن أحداث الساحل وغيرها خلال السنوات الـ14 الماضية.
الأمم المتحدة تحذر من حملة استهداف ممنهجة ضد المجتمع الدرزي في السويداء
وفي وقت سابق أعرب خبراء أمميون مستقلون عن قلقهم البالغ إزاء موجة من الهجمات المسلحة التي استهدفت مجتمعات درزية في محافظة السويداء ومحيطها منذ 13 تموز/يوليو 2025، مشيرين إلى تقارير عن عمليات قتل، اختفاء قسري، اختطاف، نهب، تدمير ممتلكات، وعنف جنسي وجندري ضد النساء والفتيات.
وأوضح الخبراء أن الانتهاكات المبلغ عنها تشمل استهداف أبناء الطائفة الدرزية على خلفية دينية، بما في ذلك حالات حلق شوارب رجال دين بالقوة، وخطابات كراهية منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تصف الدروز بأنهم “خونة وكفرة يجب قتلهم” وتدعو إلى اختطاف واستعباد النساء.
تحدث الخبراء عن تصاعد العنف نتيجة لاشتباكات طائفية بين مجتمعات درزية وبدوية على خلفية أعمال نهب وانتقام، سرعان ما تحولت إلى عنف واسع النطاق بمشاركة ميليشيات محلية وقوات تابعة للسلطات السورية وجماعات مسلحة مرتبطة بها.
وشهدت قرى طعارة، الدورا، والدويرة هجمات شرسة استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والرشاشات وأعمال النهب، أسفرت عن مقتل 1000 شخص، من بينهم 539 مدنيًا درزيًا معروف الهوية، منهم 39 امرأة و21 طفلًا، بالإضافة إلى 196 حالة إعدام ميداني، وإحراق أكثر من 33 قرية.
وصف الخبراء الهجمات بأنها حملة منظمة تستهدف الدروز، مشيرين إلى استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي للتحريض ضدهم واتهامهم بالتحالف مع إسرائيل. كما أفادوا بأن الطلاب الدروز في الجامعات السورية في دمشق، وحمص، وحلب، واللاذقية يعانون من مضايقات مستمرة ويخشون على حياتهم.
عنف جنسي واختفاء قسري بحق النساء
سلّط البيان الضوء على اختطاف ما لا يقل عن 105 امرأة وفتاة درزية على يد جماعات مسلحة تابعة للسلطات المؤقتة، ولا تزال 80 منهن في عداد المفقودين. وتم توثيق حالات اغتصاب أعقبتها عمليات إعدام في ثلاث حوادث على الأقل. في حين لا يزال 763 شخصًا مفقودين، بينهم نساء.
يتابع الخبراء أوضاع نحو 192 ألف نازح داخلي في محافظات السويداء ودرعا وحمص، يعانون من نقص حاد في الموارد الأساسية، وسط تقارير عن نزوح متكرر في مناطق مثل نجران والثعلة بسبب تجدد الاشتباكات في 9 آب/أغسطس 2025.
كما أشار البيان إلى أضرار جسيمة بالبنى التحتية، نتيجة للاشتباكات وإجراءات السلطات السورية ، وكذلك الغارات الجوية الإسرائيلية، ما أدى إلى تعطل أنظمة الكهرباء والمياه في السويداء، وتكدس السكان في مساكن غير صحية تفتقر إلى الغذاء والماء والعلاج، مع تقارير عن جثث لم تُدفن بعد في المناطق السكنية.
ودعا الخبراء السلطات السورية إلى:
-
السماح بتحقيقات مستقلة وسريعة.
-
محاكمة مرتكبي الانتهاكات.
-
الكشف عن مصير المختفين.
-
وقف التحريض على العنف ضد الأقليات، وتوفير الحماية للنازحين وضمان عودتهم الآمنة أو إيجاد حلول دائمة لهم.
وشدد الخبراء على أن احترام الحق في الحياة والأمان وحرية المعتقد، وكذلك حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، هي أساسيات لا يمكن التهاون بها، داعين إلى معالجة جذرية لظروف النزاع والتمييز والتهميش التي تُستغل في تغذية الإرهاب.