قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ “المدن”: بالنسبة إلى موضوع الكبتاغون في سوريا، فإنه لا يزال هناك حتى الآن نوعٌ من الإنتاج والتوزيع والتصنيع والشبكات، والسبب في ذلك، في الحقيقة، يعود إلى عدة عوامل: أولها أن الدولة أعلنت حربًا على تجارة الكبتاغون، لكنها في الوقت نفسه تحولت إلى الجهة الأساسية التي تدير هذه التجارة. وبحسب تحقيقاتنا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تأكد لنا أن الكبتاغون بات صناعةً مركزيةً تديرها الدولة نفسها، أي أن الدولة هي تاجر الكبتاغون الأول في سوريا. وهذا يختلف تمامًا عن واقع كثير من الدول، حتى تلك المعروفة بتجارة المخدرات مثل دول أمريكا الجنوبية أو فنزويلا، حيث يكون هناك، على سبيل المثال، بعض المسؤولين الحكوميين المتواطئين، أو فساد هنا وهناك، أو وزير أو مسؤول متورط. لكن في سوريا، كان الوضع مختلفًا جذريًّا، ويبدو أن هذا التصور لم يكن واضحًا لدى كثير من الصحفيين وصناع القرار والمسؤولين: الدولة بكل أجهزتها هي تاجر الكبتاغون الأول، فالأمر لم يكن مجرد فساد من وزير أو معاون رئيس أو الرئيس نفسه أو محيطه، بل كان نظامًا متكاملًا”.
وأضاف: “في دول أخرى، قد تجد جزءًا من أجهزة الأمن أو الجيش يحارب هذه التجارة، وجزءًا آخر متورطًا، لكن هنا في سوريا، كان الكل متورطًا. وهذا أمر نادر حتى في الدول المشهورة بتجارة المخدرات، حيث لا يكون كل جهاز الدولة طرفًا في هذه التجارة. وقد أدّى نظام الأسد إلى انتشار تجارة الكبتاغون بشكل كبير جدًّا، حتى أصبحت تجارةً مركزيةً، بل وصارت مصدر رزقٍ ومصدرًا اقتصاديًّا أساسيًّا للنظام، وهي في الوقت نفسه مصدرٌ تدميريٌّ للمجتمع”.
وتابع: “لكن هناك من يقول، وهذا ما ننقله، إن انتشار الكبتاغون أصبح هائلًا جدًّا في المجتمع: في محلات صغيرة، وصيدليات، وورش تصنيع محلية، وأقبية، وغيرها. والقضاء على هذه الظاهرة يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين جدًّا. إضافةً إلى دعم دولي واسع، يشمل أجهزةً ومعداتٍ متخصصة. أما ما فعلته السلطة الجديدة، فهو أنها قضت على الجذور المركزية للتجارة: فقد لاحقت المصانع الكبيرة وشبكات التهريب الرئيسية وما إلى ذلك. وبالتالي، انخفضت تجارة الكبتاغون في سوريا بنسبة كبيرة جدًّا، تصل إلى 70–80%، لكن ما زال هناك 20–25% من هذه التجارة نشطة. وهؤلاء العاملون في النسبة المتبقية لا يسهل القضاء عليهم، لأنهم محليون، ويعملون سرًّا، ولديهم شبكات توريد وتوزيع خاصة وضيقة، وهم منتشرون في مختلف المحافظات، بل إن جزءًا منهم موجود في مناطق خارج سيطرة الدولة، مثل السويداء على سبيل المثال، حيث لا تزال تجارة الكبتاغون رائجة جدًّا”.
ولفت إلى أن بعض العشائر والبدو في مناطق بعيدة عن سيطرة الدولة يشاركون أيضًا في هذه التجارة، لأنهم، مثل غيرهم، بحاجة إلى موارد وإمكانيات اقتصادية. وبالتالي، فإن معالجة هذه الظاهرة – التي تضم مئات النقاط الصغيرة المنتشرة – أمرٌ صعبٌ للغاية، ويتطلب وقتًا وجهدًا مستمرين، لكنني أعود لأكرر: الأهم أننا تخلّصنا من الجذر المركزي، أي من رعاية السلطة الرسمية لهذه التجارة”.






