• English
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • السيرة
  • مقالات
  • أبحاث
  • اقتباس ميديا
  • عدالة إنتقالية
  • مقابلات
    • فيديوهات
    • محادثات ومحاضرات
  • الرئيسية
  • السيرة
  • مقالات
  • أبحاث
  • اقتباس ميديا
  • عدالة إنتقالية
  • مقابلات
    • فيديوهات
    • محادثات ومحاضرات
No Result
View All Result
No Result
View All Result
Home مقابلات محادثات ومحاضرات

حوار | فضل عبد الغني: لا إعمار مستدام بلا عدالة انتقالية

11 ديسمبر 2025
حوار | فضل عبد الغني: لا إعمار مستدام بلا عدالة انتقالية

بتحليلها للواقع الحقوقي والتوثيقي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وضعت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عددًا من الملفات الشائكة على طاولة النقاش. ورصدت الشبكة في تقييمها تحولًا نوعيًا في إمكانيات الوصول إلى المعلومات والمناطق التي كانت مغلقةً أمنيًا، مشيرةً إلى أن هذا الانفتاح كشف عن حجمٍ كارثي للانتهاكات وواجه في الوقت نفسه تحدياتٍ ومعيقاتٍ جديدة لا تقلّ خطورة.

وأوضحت الشبكة أن أهم تطور إيجابي يتمثل في تراجع حاجز الخوف لدى الضحايا وأسرهم، وبات من الممكن إجراء زيارات ميدانية مباشرة إلى مواقع كانت محظورة في السابق، مثل مقار الاعتقال السابقة والمقابر الجماعية المشتبه بها. لكن هذا التقدم يقابله عقبات مستمرة، أبرزها تدمير الأرشيف الرسمي وتهريبه، واستمرار الأخطار الميدانية، والضغط الهائل الناجم عن الحجم المهول للجرائم التي توثقها.

كما أبرزت الشبكة أن قضية “المُخفَون قسرًا” تظل الملف الأكثر تعقيدًا، داعية إلى خطوات عاجلة محلية ودولية لكشف مصيرهم، ومؤكدةً أن مسار العدالة الانتقالية وجبر الضرر مرتبطان بشكل عضوي بأي عملية إعمار مستقبلية.

المزيد حول هذه الملفات، وملفات عديدة أخرى، كان لنا هذا الحوار مع مدير الشبكة، فضل عبد الغني.


  • كيف تغيرت قدرة الشبكة على الوصول إلى المعلومات في المناطق التي كانت خاضعة للنظام السابق؟

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، شهدت بيئة عمل الشبكة في المناطق التي كانت مغلقة تمامًا أمنيًا وإداريًا تحولًا نوعيًا. ويمكن تلخيص أبرز التغيرات الإيجابية على النحو الآتي:

الاتجاه نحو التوثيق الميداني المباشر بشكل أكبر: فقد كان جزء كبير من عمليات التوثيق في مناطق سيطرة النظام السابق سابقًا يعتمد على شبكة محدودة من المخبرين والمتعاونين السريين، والمقابلات عن بعد مع الأهالي والنازحين واللاجئين، وتحليل المصادر المفتوحة والصور والفيديوهات. أما بعد سقوطه، فقد أصبح من الممكن تنفيذ زيارات مباشرة لمواقع الانتهاكات، مثل المنازل المدمرة والمقابر ومراكز الاحتجاز السابقة والمؤسسات الرسمية، وإجراء مقابلات علنية أو شبه علنية مع الضحايا وذويهم بدلًا من الاكتفاء بالقنوات السرية.

فتح مناطق ومجتمعات كانت مغلقة أمنيًا: فقد كانت مناطق في دمشق وريفها، وأحياء في حمص وحماة وحلب واللاذقية وطرطوس ودرعا والسويداء خاضعة لرقابة أمنية مشددة، وكان أي تواصل فيها مع منظمة حقوقية يعني عمليًا تهديدًا بالاعتقال أو الإخفاء القسري. أما اليوم فقد أصبح من الممكن الوصول إلى عائلات الضحايا الذين قتلوا تحت التعذيب أو أخفوا قسرًا داخل هذه المناطق، واستكمال بياناتهم مثل الاسم الكامل وظروف الاعتقال والفرع الأمني وتاريخ الوفاة أو الاختفاء والشهود. كما أتيح التحقق من حوادث القتل خارج نطاق القانون والقصف والاعتقالات التي كانت موثقة جزئياً فقط في السابق.

الوصول إلى بعض الأدلة المادية والوثائقية التي كانت بيد مؤسسات النظام السابق: فقد تمكنت الشبكة وذوو الضحايا في عدد من المناطق من الوصول إلى مقار أمنية أو إدارية سابقة تضم بقايا ملفات ومذكرات اعتقال وسجلات ووثائق ملكية. وهذا النوع من الأدلة المادية يعزز بصورة كبيرة قدرة الشبكة على الربط بين روايات الشهود والتسلسل الزمني للأحداث وبنية القيادة وسلاسل المسؤولية.

تراجع مستوى الخوف لدى الضحايا والشهود: فقد بات قطاع واسع من الضحايا وذويهم، ولا سيما في المناطق التي كانت خاضعة للنظام السابق، أكثر استعدادًا للحديث وتقديم إفادات مفصلة، بل والظهور بأسمائهم في بعض الحالات.

تحسين دقة الحصيلة الكلية للانتهاكات: إذ ما تزال الأرقام الواردة في التقرير، وهي 202,021 مدنيًا قتلوا و 45,032 قضوا تحت التعذيب و 160,123 مخفيًا قسريًا على يد النظام السابق، تمثل “الحد الأدنى” وفق منهجية الشبكة مع الإقرار بأن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير. ويفتح وصول المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام السابق المجال لإضافة أسماء جديدة إلى قاعدة البيانات، وتصحيح أو استكمال بيانات قديمة كانت ناقصة أو عامة، وإعادة تصنيف بعض الحالات مثل تحويل حالة “مفقود” إلى “مخف قسرًا” أو “مدني مجهول الهوية” إلى “ضحية محددة الهوية”.

  • ما هي أبرز الصعوبات التي لا تزال تواجه التوثيق رغم هذا الانفتاح؟

على الرغم من التحسن الكبير في إمكانيات الوصول، فإن بيئة التوثيق ما تزال شديدة التعقيد، ويمكن تلخيص التحديات الراهنة في المحاور الآتية:

تحديات أمنية وميدانية مستمرة: إذ ما تزال كثير من المناطق التي كانت خاضعة للنظام السابق مليئة بالمخاطر الأمنية مثل مخلفات الحرب والألغام والذخائر غير المنفجرة والمقابر غير المؤمنة، كما تتداخل فيها سلطات متعددة من مجموعات مسلحة وميليشيات محلية وشبكات إجرامية وبقايا عناصر موالية للنظام السابق. وهذا الواقع يفرض قيودًا على حركة الباحثين الميدانيين وعلى قدرتهم على زيارة جميع المواقع المشتبه فيها، بما في ذلك المقرات الأمنية السابقة والمقابر وأماكن الدفن السرية.

تدمير أو إتلاف أو تهريب جزء من الأرشيف الرسمي: فقد قامت الأجهزة الأمنية أو مسؤولوها في الكثير من الحالات قبيل الانهيار بإحراق الملفات وإخفاء أو تهريب السجلات الحساسة مثل سجلات المعتقلين وأوامر الاعتقال وتقارير الوفاة وسجلات الملكية. ويشير التقرير إلى أن النظام السابق لم يكتف بالقصف والتدمير والتشريد، بل سنّ أيضًا منظومة قوانين وتشريعات لانتهاك حقوق الملكية والمصادرة، ما يعني أن جزءًا من الانتهاك نفسه مر عبر الوثيقة القانونية ذاتها. وهذا يخلق فراغًا وثائقيًا يصعب تعويضه بالكامل، حتى مع تحسن إمكانيات الوصول الميداني.

الطبيعة الكارثية لحجم الانتهاكات مقارنة بقدرات أي فريق توثيق: فالأرقام الواردة في التقرير تُظهر حجمًا مهولًا من الجرائم، حيث قضى عشرات الآلاف تحت التعذيب، واختفى قسرًا أكثر من 160 ألف شخص، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين 13 مليون إنسان. وأي فريق، مهما بلغت خبرته، يواجه هنا ضغطًا منهجيًا يتمثل في كيفية الحفاظ على صرامة المعايير مع هذا الحجم المتدفق من المعلومات، وضغطًا زمنيًا ناجمًا عن الحاجة إلى موازنة الدقة مع السرعة خاصة في ظل سباق مع الزمن للحفاظ على الأدلة، وضغطًا تقنيًا يتعلق بإدارة قاعدة بيانات ضخمة مع تحديثات مستمرة وروابط معقدة بين الملفات كضحايا ومتهمين وحوادث ومواقع.

صعوبات متعلقة بضحايا الإخفاء القسري والتعذيب: فالإخفاء القسري جريمة مركبة، وعدم توفر الجثامين أو الوثائق الرسمية للوفاة يعني أن جزءًا كبيرًا من الملف يعتمد على شهادات عائلات الضحايا والمعتقلين السابقين، كما أن هناك حالات عديدة لا يزال مصيرها مجهولًا تمامًا حتى بعد سقوط النظام السابق في مناطقها.

القيود المرتبطة بالموارد والتمويل والاستدامة المؤسسية: فتوثيق انتهاكات بهذا الحجم يتطلب فرقًا ميدانية متخصصة وواسعة النطاق تضم قانونيين وباحثين ومختصي توثيق ومختصي قواعد بيانات ومحللي صور وأقمار اصطناعية، كما يتطلب تجهيزات تقنية متقدمة لحفظ البيانات وتأمينها رقميًا وحمايتها من الاختراق أو الفقدان. وأي تقلبات في التمويل أو الموارد تنعكس مباشرة على عدد الزيارات الميدانية الممكن تنفيذها وحجم العينات القابلة للتحقق في كل منطقة والقدرة على متابعة كل حالة حتى نهايتها من كشف الحقيقة وتحديد المسؤولية وفهم الأثر.

تحديات منهجية في التعامل مع موجة كبيرة من المعلومات المتأخرة: فقد بدأت تتدفق بعد سقوط النظام شهادات جديدة عن حوادث قديمة ووثائق وصور وملفات شخصية أو أمنية لم تكن متاحة سابقًا. وهذا يخلق تحديًا منهجيًا مزدوجًا يتمثل في إعادة فحص وتحديث ملفات سبق توثيقها جزئيًا في سنوات ماضية، وتجنب التكرار أو العد المزدوج مع الحفاظ على إمكانية تتبع تاريخ كل حالة من حيث متى وثقت أول مرة وكيف حدثت وما الذي أضيف إليها.

  • الرقم الخاص بالمخفيين قسريًا (أكثر من 160 ألفًا) يُعد هائلًا. ما هي الخطوات العملية التي ترونها ضرورية من السلطات الحالية والمجتمع الدولي الآن للبدء في كشف مصير هؤلاء الأشخاص، والذي يعد أولوية إنسانية وحقوقية عاجلة؟

تتركز الخطوات العملية الضرورية في مستويين أساسيين: الأول يخص السلطات السورية الحالية، والثاني يخص المجتمع الدولي.

فيما يتعلق بالسلطات الحالية، فإن الواجب يدعو أولًا إلى فتح أرشيف الأجهزة الأمنية والسجون وحمايته. يتطلب ذلك تجريم إتلاف أو إخفاء الأرشيف الأمني والقضائي المتعلق بالاعتقال والإخفاء القسري واعتبار ذلك عرقلةً للعدالة، إلى جانب تنفيذ جرد وطني شامل لسجلات المعتقلين والمتوفين في مراكز الاحتجاز ونشر قوائم دورية بأسماء من ثبُتت وفاتهم وتسليم شهادات وفاة حقيقية لذويهم.

كما يقع على عاتقها الانضمام الفوري للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والالتزام بتجريم هذه الجريمة في قانون العقوبات كجريمة مستقلة لا تسقط بالتقادم ولا يشملها أي عفو.

ومن الضروري أيضًا تحديد مصير المقابر الجماعية ومواقع الدفن السرية، وذلك بوقف أي أعمال بناء أو استثمار في المواقع المشتبه في كونها مقابر جماعية، وتشكيل فرق متخصصة في الطب الشرعي والتحقيق الجنائي والتوثيق بالتعاون مع خبراء دوليين لضمان استخراج الجثامين وحفظ الأدلة وفق المعايير الدولية.

ولا بد من إقرار حق العائلات في المعرفة والمشاركة، من خلال الاعتراف الرسمي بحق العائلة في معرفة الحقيقة بوصفه حقًا مستقلًا، وضمان مشاركتهم في تصميم سياسات كشف المصير وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني.

أما فيما يخص الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فيجب دعم تفعيل آلية سورية متخصصة للمفقودين والمختفين. يشمل ذلك توفير الدعم الفني والمالي لهيئة وطنية للمفقودين وربط عملها بالآليات الدولية القائمة كلجنة التحقيق الدولية والآلية الدولية المحايدة والمستقلة وفرق الخبراء في الطب الشرعي في إطار مسار عدالة انتقالية شامل. كما يجب استخدام أدوات الضغط الدبلوماسي على الدول والأطراف التي قد تملك معلومات أو أرشيفًا حول مصير المختفين، بما في ذلك روسيا بوصفها دولة حامية لقيادة النظام السابق، للمساهمة في كشف الحقيقة لا في حجبها.

وأخيرًا، يقع على عاتق المجتمع الدولي تمويل برامج البحث عن المفقودين وجبر الضرر، من خلال توفير تمويل طويل الأمد لبرامج توثيق قضايا الإخفاء والتحاليل الجينية ودعم قواعد بيانات الضحايا وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لعائلات المختفين، باعتبار كشف المصير جزءًا أساسيًا من جبر الضرر وليس ملفًا إنسانيًا ثانويًا.

  • شاركت أطراف عديدة إلى جانب الأجهزة العسكرية والأمنية في الانتهاكات، مثل القضاء والمؤسسات المدنية والشخصيات الاقتصادية والثقافية. برأيكم، ما هو التحدي الأكبر في محاسبة هؤلاء المتورطين “غير المباشرين” أو ممن قدموا “غطاءً” للنظام السابق مقارنة بمحاسبة مرتكبي الجرائم المباشرة؟

يكمن التحدي الجوهري في إثبات علاقة قانونية مباشرة بين أفعال فئات معينة وبين ارتكاب جرائم دولية، وذلك في سياق منظومة قمعية تقدمت دائمًا على أنها “دولة قانون” بشكل شكلي. فالسلطة القضائية أسهمت من خلال إصدار أحكام تعسفية بتوفير غطاء قانوني شكلي للاعتقالات غير القانونية والتعذيب والمحاكمات خارج نطاق القضاء العادي. وسهَّلت الإدارات المدنية عمليات الإخفاء القسري والتلاعب بسجلات الملكية والتستر على عمليات المصادرة غير المشروعة. بينما قدَّمت النخب الاقتصادية والثقافية والفنية غطاءً رمزيًا واجتماعيًا، وساهمت في صياغة رواية تُطبع ممارسات القمع وتصوّرها على أنها أمر اعتيادي أو حتى وطني.

بينما تبدو صلة الجلاد المباشر —كالمحقق أو الضابط أو عنصر الميليشيا— بالجريمة واضحة وقابلة للإثبات بأدلة مادية وشهادات مباشرة، فإن التحديات تتعاظم عند معالجة دور القاضي أو رجل الأعمال أو الفنان. فهنا يبرز تساؤل حول التكييف القانوني لسلوكهم: هل يرقى إلى مرتبة المساهمة الجنائية كالتحريض أو التسهيل أو التواطؤ، أم يبقى في نطاق المسؤولية الأخلاقية أو السياسية فقط؟ كما يصعب إثبات القصد والعلم؛ أي إظهار أن الشخص كان على دراية بالطبيعة الإجرامية للأفعال ومع ذلك واصل دعمها أو تغطيتها، وليس مجرد منفذ لروتين مؤسسي أو مضطر تحت وطأة إكراه عام. وتتفاقم هذه الصعوبة بسبب الممانعة المجتمعية والمؤسسية، حيث تتمتع هذه الفئات غالبًا بصورة اجتماعية “محترمة” تجعل محاسبتها سياسيًا واجتماعيًا أكثر حساسية من محاسبة العنصر الأمني المنفذ.

وعليه، فإن التحدي الأكبر يتمثل في تحويل هذا التواطؤ البنيوي والرمزي إلى مسؤولية قانونية فردية قابلة للإثبات قضائيًا. يجب أن يتحقق ذلك دون الوقوع في فخ تحويل القضية إلى هجوم سياسي محض، أو تبني منطق العقاب الجماعي، وأيضًا دون الاكتفاء بمحاسبة الأيدي المنفذة وترك من قدموا الشرعية والغطاء لتلك الجرائم بلا مساءلة.

  • في ظل استمرار وجود الكثير من عناصر النظام السابق في مؤسسات الدولة، كيف يمكن البدء فعليًا بعملية “الإصلاح المؤسسي” و”إعادة هيكلة قطاع الأمن والجيش” دون إعاقة عمل هذه المؤسسات الحيوية؟

يمكن تلخيص المقاربة الواقعية في أربع نقاط مترابطة:

الانتقال من منطق “الاجتثاث” إلى منطق “الفرز المرحلي”: لا يمكن بناء الإصلاح المؤسسي وإعادة هيكلة القطاعين العسكري والأمني على أساس استبعاد واسع وفوري لكل من عمل مع النظام السابق، لأن ذلك سيؤدي عمليًا إلى انهيار الإدارة والخدمات والحد الأدنى من الانضباط. البديل يكمن في وضع معايير واضحة للفرز تركز على المسؤولية المباشرة أو الإشرافية عن الجرائم الجسيمة، والأدوار القيادية في أجهزة القمع. يجب أن تبدأ العملية باستهداف القيادات والدوائر الأكثر تورطًا، مع الإبقاء المؤقت على المستويات الدنيا والمتوسطة تحت المراقبة وليس بثقة غير مشروطة.

إنشاء آليات مستقلة للإصلاح المؤسسي مرتبطة بمسار العدالة الانتقالية: لضمان ألا تتحول عملية الإصلاح إلى تصفية حسابات سياسية، يجب تأسيس هيئة مستقلة لإصلاح القطاعين الأمني والعسكري تضم قضاة وخبراء وتمثيلًا لضحايا الانتهاكات، مع ربطها عضويًا بهيئة العدالة الانتقالية. يجب استخدام قواعد البيانات الموثقة حول الانتهاكات كأداة موضوعية لدعم قرارات الإقصاء أو النقل أو الإحالة للتحقيق، واعتماد آليات متدرجة تشمل النقل المؤقت أو التجميد للمشتبه بتورطهم، وإعادة التدريب والتأهيل لمن يثبت عدم تورطه في جرائم جسيمة مع التزامه العلني بقواعد جديدة.

الفصل بين استمرارية المؤسسة واستمرارية الأشخاص: الفكرة الأساسية هي إسقاط منظومة الإفلات من العقاب مع الحفاظ على الوظائف الحيوية للدولة. في الجيش، يجب الحفاظ على البنية الأساسية ووحدات الضرورة القصوى مع إحداث تغيير تدريجي في القيادة ودمج عناصر جديدة وفق معايير مهنية. في الأجهزة الأمنية، يجب تقليص عددها وإلغاء مهامها السياسية والقمعية وحصر وظائفها في مكافحة الجرائم، وإخضاعها لرقابة صارمة. في القضاء والإدارة، يجب عدم شل عملها مع إبعاد العناصر الأكثر تورطًا ومراجعة الأحكام والقرارات الجائرة.

الحفاظ على الوظائف الحيوية عبر “تسلسل مرحلي” للإصلاح: لتجنب إعاقة عمل المؤسسات، يجب تصميم الإصلاح على مراحل زمنية واضحة. تشمل المرحلة الأولى العاجلة إقصاء القيادات الأكثر تورطًا وإقرار إطار قانوني للإصلاح. تليها مرحلة متوسطة لإعادة الهيكلة واستكمال التحقيقات الفردية. أما المرحلة طويلة الأمد فتركز على بناء ثقافة مؤسسية جديدة من خلال تحديث المناهج والتدريب وتعزيز آليات الرقابة الداخلية، لضمان عدم عودة استخدام هذه المؤسسات كأدوات قمع في المستقبل.

  • ما هي الآليات القانونية والسياسية الدولية التي يمكن الضغط من خلالها على روسيا لإعادة النظر في منح اللجوء لبشار الأسد، خاصة في ظل وجود مبدأ “عدم الإعادة القسرية”؟

أولًا، لا بد من توضيح الإطار القانوني في هذه القضية، وهو أن المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يُستبعدون من حماية اتفاقية اللاجئين بموجب المادة 1(و). مع ذلك، يبقى مبدأ عدم الإعادة القسرية ساريًا، مما يحظر إعادتهم إلى دولة يواجهون فيها خطرًا حقيقيًا بالتعذيب أو الانتهاكات الجسيمة. في هذه الحالة، يمكن منحهم حماية مؤقتة أو محدودة مع استمرار التزام الدولة المضيفة بالتعاون مع آليات المساءلة الدولية، بما يتوافق مع تفسيرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

انطلاقًا من هذا الأساس، يمكن ممارسة الضغط على روسيا عبر مسارين متكاملين: قانوني وسياسي دبلوماسي.

على الصعيد القانوني، يمكن الطعن في شرعية منح اللجوء السياسي لشخص متهم بجرائم دولية كبرى، لأن ذلك يناقض الهدف الأساسي من الاستثناءات الواردة في الاتفاقية، وهي منع استخدام نظام اللجوء كملاذ للإفلات من العقاب. كما يشكل قرار روسيا منح “ملاذ آمن” للمشتبه بهم انتهاكًا للواجب الدولي بالتعاون لمكافحة الإفلات من العقاب.

إضافة إلى ذلك، يمكن تفعيل مبدأ “إما التسليم أو المحاكمة” الذي تلتزم به روسيا كدولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب. إذ يفرض وجود شخص متهم بارتكاب التعذيب على أراضيها التزامًا جديًا بمحاكمته داخليًا أو تسليمه إلى جهة قضائية مختصة، شريطة توفر ضمانات المحاكمة العادلة. ولا يتعارض هذا الإجراء مع مبدأ عدم الإعادة القسرية، لأن الحظر ينصب على الإعادة إلى مكان خطر، وليس على التسليم إلى محكمة دولية أو قضاء وطني مستقل.

كما يمكن دعم الجهود القضائية الجارية، حيث فتحت دول مثل فرنسا وألمانيا تحقيقات وأصدرت مذكرات توقيف بحق مسؤولين سوريين، وصولًا إلى بشار الأسد نفسه. يمكن توظيف هذه الإجراءات لتقديم طلبات تسليم رسمية، أو على الأقل لفرض عزلة قضائية عبر تقييد الحركة وتجميد الأصول.

أما على الصعيد السياسي والدبلوماسي، فيوصي التقرير باستخدام أدوات الضغط المتعددة داخل أطر الأمم المتحدة، كإصدار قرارات تنديد في الجمعية العامة أو مجلس حقوق الإنسان، تحث روسيا على عدم تحويل مفهوم اللجوء إلى غطاء للإفلات من العقاب. كما يمكن ربط التعاون الدولي مع روسيا في ملفات أخرى بمدى تعاونها في تحقيق العدالة للسوريين.

ويمكن توسيع نطاق العقوبات المستهدفة لتشمل المسؤولين عن ترتيبات الحماية السياسية، واستخدام أدوات العزلة الدبلوماسية لرفع الكلفة السياسية لاستضافة رمز للإفلات من العقاب.

الأمر الجوهري هو الربط المنهجي بين منح الحماية المؤقتة والالتزام بالتعاون مع المساءلة. يجب التشديد على أن الدولة المانحة للجوء تظل ملزَمة بتمكين آليات العدالة الدولية من الوصول إلى الأدلة، وعدم عرقلة أي مسار قضائي مستقبلي، سواء أمام محكمة دولية أو قضاء وطني سوري مستوفٍ للمعايير.

  • مع مرور عام على التغيير، ما هو تقييمكم لاستجابة المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين حتى الآن لمطالب العدالة الانتقالية في سوريا؟ هل ترون تحركات جادة نحو تفعيل آليات المساءلة الدولية أو دعم مسار عدالة انتقالية شامل؟

ما تزال استجابة المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين أدنى بكثير من مستوى الانتهاكات الجسيمة المستمرة في سوريا، وأدنى من التصور الشامل لمسار عدالة انتقالية متكامل. فالواقع يقتصر على استمرار بعض أدوات المساءلة الجزئية، دون أن يتحول ذلك إلى نقلة نوعية نحو مسار شامل وفعّال للعدالة.

على مستوى المجتمع الدولي، يظل الدور الأكثر بروزًا متمثلًا في استمرار العمل عبر الآليات القائمة، مثل لجنة التحقيق الدولية والآلية الدولية المحايدة والمستقلة وقضايا الولاية القضائية العالمية وبعض أنظمة العقوبات الفردية. ومع ذلك، لم تتحول هذه الأدوات إلى إطار سياسي أو عملي ملزم يفضي إلى تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. وشهد العام المنصرم تجديدًا للدعوات وليس استجابةً حقيقية لها. فلو تحققت استجابة نوعية، لانتقل الخطاب الدولي من مرحلة المطالبة إلى مرحلة التقييم والتنفيذ الفعلي. كما أن استمرار الحاجة إلى الدعوات الصريحة لتفعيل وتطوير الآليات الدولية القائمة ودعم أي مسار قضائي دولي أو مختلط، بما في ذلك الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، يؤكد أن التقدم المحرز في هذا المجال لا يزال في نطاق محدود وتمهيدي.

أما على مستوى الفاعلين الإقليميين، فما يزال تعامل غالبيتهم مع ملف العدالة الانتقالية في سوريا ينطلق أولًا وأخيرًا من اعتبارات الاستقرار والأمن وملف اللاجئين، ولا يعتبرونه التزامًا حقوقيًا وقانونيًا محوريًا. ونتيجةً لذلك، لا توجد حتى الآن مبادرة إقليمية واضحة تتبنى رؤية موحدة للعدالة الانتقالية في سوريا، أو تربط بين عمليات إعادة الإعمار والاعتراف السياسي وبين ضمانات حقيقية للمساءلة وجبر الضرر للضحايا. ويؤكد غياب أي التزام إقليمي معلن بالمبادئ الأساسية – كالمحاكمة العادلة والشفافة، والانضمام للصكوك الدولية، والإصلاح المؤسسي الجذري، وربط إعادة الإعمار بحقوق الضحايا – أن الضغط الإقليمي باتجاه تحقيق عدالة انتقالية شاملة يبقى ضعيفًا ومتجزئًا، وغير قادر على إحداث التغيير المنشود.

  • تعتمد عملية “الإصلاح المؤسسي” و”جبر الضرر” على موارد هائلة. كيف يمكن التنسيق بين عمليات “إعادة الإعمار على أساس حقوقي” وبين متطلبات العدالة والمحاسبة، خاصة مع وجود حاجة ماسة لإعادة البناء؟

لا يمكن تحقيق إعمار مستدام في غياب العدالة، كما لا يمكن أن تتحقق عدالة قابلة للحياة إذا اصطدمت تمامًا مع الحاجة الملحة لإعادة البناء. المطلوب هو دمج المسارين وتسلسلهما، وليس المفاضلة الصفرية بينهما.

يمكن تحقيق هذا التنسيق من خلال ثلاث آليات عملية:

أولًا، يجب أن تراعي عملية تصميم وتمويل الإعمار المعايير الحقوقية، وذلك بربط أي خطط أو تمويل بإعادة إعمار المناطق الأكثر تضررًا أولًا وتمكين عودة سكانها الأصليين إليها عودة آمنة وطوعية وكريمة، واحترام حقوق السكن والأرض والملكية وعدم تكريس نتائج المصادرات غير المشروعة أو سياسات التغيير الديمغرافي، وضمان ألا تؤدي مشاريع الإعمار إلى تعويم متورطين في الانتهاكات أو تثبيت انتهاكاتهم.

ثانيًا، ينبغي اعتبار جزء من مشاريع الإعمار شكلًا من أشكال “جبر الضرر الجماعي”. بدلًا من الفصل بين مسار التعويض ومسار الإعمار، يمكن تصميم برامج تدرج إعادة بناء الأحياء المدمرة والبنى التحتية الأساسية – كالمياه والكهرباء والمدارس والمراكز الصحية – ضمن إطار جبر الضرر الجماعي للسكان المتضررين، مع الاعتراف الرسمي بهم كضحايا. ويتم ذلك بالتوازي مع برامج التعويض الفردي وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وبذلك يصبح جزء من ميزانيات الإعمار أداة لتحقيق ركيزتين من ركائز العدالة الانتقالية، وهما جبر الضرر وضمان عودة اللاجئين والنازحين.

ثالثًا، يجب استخدام العدالة والإصلاح المؤسسي كـ “خطوط حمراء” لا يمكن تجاوزها مقابل الإعمار. وهذا يعني ربط إعادة الإعمار بإصلاحات قانونية ومؤسسية تشمل إلغاء قوانين المصادرة، وتجريم الجرائم الدولية، وإصلاح القضاء والأجهزة الأمنية والعسكرية، وسياسة واضحة ترفض أي عفو شامل عن الجرائم الدولية الجسيمة. عمليًا، يترتب على المجتمع الدولي ألا يمول إعمارًا “أعمى”، بل يربط تدفق موارده بتقدم فعلي في ملفات كشف مصير المختفين، وإصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية، ووقف تكريس نتائج الانتهاكات في مجالات الملكية والسكن.

Source: ألترا سوريا
ShareTweetShareSend

Related Posts

فضل عبد الغني: تأسيس الشبكة العربية لاستقلال القضاء خطوة استراتيجية لدعم تحول العدالة في سوريا
عدالة إنتقالية

فضل عبد الغني: تأسيس الشبكة العربية لاستقلال القضاء خطوة استراتيجية لدعم تحول العدالة في سوريا

3 أغسطس 2025
ندوة مركز العودة بالأمم المتحدة حول إشراك الفلسطينيين السوريين في مسارات العدالة الانتقالية في سوريا
محادثات ومحاضرات

ندوة مركز العودة بالأمم المتحدة حول إشراك الفلسطينيين السوريين في مسارات العدالة الانتقالية في سوريا

15 يوليو 2025
جنيف: مركز العودة يعقد ندوة حقوقية حول إشراك الفلسطينيين السوريين وملف المختفين قسرًا ضمن مسارات العدالة الانتقالية في سوريا
محادثات ومحاضرات

جنيف: مركز العودة يعقد ندوة حقوقية حول إشراك الفلسطينيين السوريين وملف المختفين قسرًا ضمن مسارات العدالة الانتقالية في سوريا

6 يوليو 2025
فضل عبد الغني: 6 دول تدعم الشبكة السورية ولا نعمل وفق أهواء أي طرف
محادثات ومحاضرات

فضل عبد الغني: الشبكة السورية توثق الانتهاكات باستقلالية

27 مارس 2025
فضل عبد الغني: 6 دول تدعم الشبكة السورية ولا نعمل وفق أهواء أي طرف
محادثات ومحاضرات

فضل عبد الغني: 6 دول تدعم الشبكة السورية ولا نعمل وفق أهواء أي طرف

25 مارس 2025
لقاء حواري في “حرمون” بالدوحة لمناقشة تطورات التطبيع التركي مع النظام السوري والتصعيد ضد اللاجئين
محادثات ومحاضرات

لقاء حواري في “حرمون” بالدوحة لمناقشة تطورات التطبيع التركي مع النظام السوري والتصعيد ضد اللاجئين

29 يوليو 2024

On the #InternationalDayInSupportForVictimsOfTorture, the #SNHR released its annual report for this occasion, highlighting one of the most horrific systematic crimes to which Syrians have been subjected since March 2011.
View full report: https://t.co/ZB79DxGMGs https://t.co/0WDBEqhrlt

— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) June 26, 2025

في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب: معلومات جديدة تكشف وفاة الآلاف من المختفين قسراً داخل مراكز احتجاز النظام السوري السابق، ترفع حصيلة ضحايا التعذيب إلى 45,342 شخصاً

دمشق – 26 حزيران/يونيو 2025
أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي بمناسبة اليوم الدولي لمساندة…

— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) June 26, 2025

اعتقال وسيم الأسد.. محطة مفصلية على طريق العدالة الانتقالية https://t.co/TQT6IODXJE

— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) June 25, 2025

https://t.co/u8PZaeJMXE

— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) June 25, 2025

Statement on the Bombing of #Mar_Elias_Church in #Damascus: The Need to Protect the Crime Scene #SNHR Condemn the Suicide Attack that Targeted the Church Causing a Massacre that Claimed the Lives of 25 Civilians & Injured 63 Others. Full statement: https://t.co/y9T72qbpS3 #Syria https://t.co/zoszGgGVoO

— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) June 23, 2025
Fadel Abdul Ghany
مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ حزيران 2011 حتى الآن.

ماجستير في القانون الدولي (LLM) / جامعة دي مونتفورت / مدينة ليستر - المملكة المتحدة March 2020

بكالوريوس في الهندسة المدنية/ اختصاص إدارة المشاريع الهندسية/ جامعة دمشق

أحدث المقالات

  • حوار | فضل عبد الغني: لا إعمار مستدام بلا عدالة انتقالية
  • محاولة فرنسية طموحة لاعتقال “بشار الأسد”
  • عام على سقوط الأسد… تحصين السلم الأهلي يبدأ من العدالة الانتقالية
  • عبد الغني: الاختفاء القسري أخطر انتهاك في تاريخ سوريا الحديث

روابط التنقل

  • الرئيسية
  • السيرة
  • مقالات
  • أبحاث
  • اقتباس ميديا
  • عدالة إنتقالية
  • مقابلات
    • فيديوهات
    • محادثات ومحاضرات

© 2023 الشبكة السورية لحقوق الأنسان - فضل عبد الغني .

No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • السيرة
  • مقالات
  • أبحاث
  • اقتباس ميديا
  • عدالة إنتقالية
  • مقابلات
    • فيديوهات
    • محادثات ومحاضرات

© 2023 الشبكة السورية لحقوق الأنسان - فضل عبد الغني .

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In

Add New Playlist