يوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في تصريح لـ”الثورة السورية”، أن ما ميّز تجربة تجارة “الكبتاغون” في عهد نظام الأسد أنها لم تكن نشاطاً عشوائياً أو هامشياً، بل بنية مؤسسية تتداخل فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية والإدارية ضمن اقتصاد جريمة منظّم. فالنظام لم يكتفِ بغضّ الطرف عن هذه التجارة، بل وفّر لها الحماية والإدارة والتمكين، ما جعل نموذج “الدولة المافيوية” واقعاً فعلياً، وربط بشكل مباشر بين هذه التجارة وبين الالتزامات الدولية في مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلاً عن توظيف العوائد في تمويل العنف وإدامة اقتصاد الحرب.
أما في المرحلة الراهنة، فيرى عبد الغني أن تفكيك البنية المركزية لتجارة المخدرات، عبر إغلاق مرافق التصنيع الكبرى وضرب شبكات التهريب الرئيسية وإنهاء مظلات الحماية الرسمية، أدى إلى تراجع ملموس مقارنة بالماضي القريب، لكن الجزء المتبقي من المشكلة بات أكثر تعقيداً، لأنه اتخذ شكلاً لامركزياً، متناثراً بين ورش صغيرة ومناطق هشة أو خارج السيطرة الفعلية للدولة، ومتشابكاً مع اقتصاد الفقر والفراغ الأمني.
من هنا لا تكفي المقاربة الأمنية وحدها في مواجهة هذه الظاهرة، بحسب عبد الغني، بل المطلوب استراتيجية شاملة تقوم على ركيزة إنفاذ القانون ضمن ضمانات حقوق الإنسان، والتعاون الإقليمي في تبادل المعلومات وتنسيق العمليات الحدودية، وتوفير بدائل اقتصادية للمناطق المتضررة، إلى جانب برامج علاج وتأهيل للمدمنين، وتوسيع حضور الدولة الخدمي والإداري بما يضمن خفضاً مستداماً لهذه التجارة، بدلاً من الاكتفاء بضربات متفرقة.






