تُعدّ ممارسة الاحتجاز التعسفي للأجانب وحاملي الجنسية المزدوجة لانتزاع تنازلات سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية من الدول من أكثر التحديات إلحاحاً التي تواجه النظام القانوني الدولي المعاصر. وتُعرف هذه الظاهرة غالباً باسم دبلوماسية الرهائن، وهي تقع في تقاطع حرج بين منطق الحكم ومقتضيات حقوق الإنسان، إذ تستثمر مواطن الضعف في آليات الإنفاذ الدولية، مع حرص الدولة المُرتكبة على إبقاء السلوك، من الناحية الشكلية، ضمن نطاق ولايتها الإقليمية وسيادتها.
ويتناول القانون الدولي هذا النمط من السلوك عبر أطر متعددة ومتداخلة تشمل صكوك حقوق الإنسان، والاتفاقيات التي تُجرّم أخذ الرهائن صراحةً، وقواعد القانون الدبلوماسي والقنصلي. ومع ذلك، لا تزال ثغرات المساءلة والإنفاذ واسعة، بما يجعل البنية القانونية القائمة غير كافية لردع هذه الانتهاكات أو معالجتها على نحو فعّال. وتُجسّد حالة إيران هذه الإشكالية بوضوح، إذ طوّرت طهران دبلوماسية الرهائن لتغدو أداةً منهجية في سياستها الخارجية عبر عقود، بما يستدعي تحليلًا يوازن بين المعايير المعيارية وحدود تطبيقها العملي.
الأبعاد التشغيلية لدبلوماسية الرهائن الإيرانية
تُمارس إيران دبلوماسية الرهائن عبر أبعاد مترابطة تعكس حسابات استراتيجية تستثمر نقاط الضعف الهيكلية في النظام الدولي. أولاً، تستهدف طهران بصورة منهجية المواطنين الغربيين ومزدوجي الجنسية وبعض المقيمين في الخارج بوصفهم أوراق ضغط ضمن دبلوماسية غير متكافئة، حيث يقوم الاختيار غالباً تبعاً لإمكانية الاستفادة من كل حالة لتوليد ضغط سياسي أو إعلامي أو تفاوضي.
ثانياً، تُوظّف هذه الممارسة واجهات قانونية تحت ستار إجراءات قضائية يُراد لها أن تبدو مشروعة، عبر تصوير الاعتقالات التعسفية كملاحقات بتهم أمنية. هذا الأسلوب يُعقّد الاستجابات الدولية ويؤخرها، ويحيل المحاكم إلى أدوات إكراه بدلًا من مؤسسات لتحقيق العدالة.
ثالثاً، يتعرض الضحايا لظروف احتجاز قاسية وحرمان من التمثيل القانوني الفعّال ومخاطر التعذيب أو سوء المعاملة، مع عزلة عن المساعدة القنصلية والرقابة المستقلة، وتُستخدم هذه البيئة بوصفها عقاباً ووسيلة لرفع القيمة التفاوضية المتصورة لإطلاق السراح.
وأخيراً، أثبت هذا النهج، من منظور طهران، قدرة على تحقيق مكاسب تفاوضية رغم الإدانة الدولية، ما يعزز معضلة الردع طالما بقيت النتائج المتحققة أعلى، في الحسابات السياسية، من كلفة السمعة والضغط الدبلوماسي.
ثغرات المساءلة القانونية ومحدودية الإنفاذ
يواجه الإطار القانوني الدولي تحديات بنيوية في التعامل مع دبلوماسية الرهائن التي تمارسها الدول، نتيجة غموض بعض المعايير القانونية وضعف أدوات التنفيذ المتاحة. فعلى الرغم من أن هذا السلوك يشكل انتهاكاً لحظر الاحتجاز التعسفي المنصوص عليه في صكوك حقوق الإنسان، يبقى تكييفه ضمن بعض الأطر القضائية، مثل توصيفه كتدخل قسري وفق اجتهادات محكمة العدل الدولية، محل نقاش مستمر نظراً للعتبة الفنية للإكراه، ما يخلق فجوة بين جسامة الفعل ومتطلبات الإدانة القانونية في بعض المسارات.
كما يُقوّض الاستخدام الاستراتيجي للتحفظات فرص المساءلة، إذ أبدت إيران تحفظات على المادة المتعلقة بتسوية النزاعات في الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن، بما يعيق عملياً الإحالة القضائية عبر مسارها الاتفاقي، ويحوّل سلطة التحفظ إلى أداة لتعطيل المساءلة. وإلى جانب ذلك، يُسهم غياب آليات إنفاذ فعّالة واستمرار عدم التعاون مع الإجراءات الدولية في ترسيخ بيئة إفلات من العقاب، بما يجعل كثيرًا من القواعد القانونية أقرب إلى معايير تعبيرية منها إلى أدوات رادعة مُنتجة للتغيير.
مسارات المواجهة الممكنة
يتطلب التصدي لدبلوماسية الرهائن الإيرانية مقاربة شاملة متعددة المسارات تجمع بين التدابير القانونية والدبلوماسية والعملية. ويمثل إعلان كندا لعام 2021 بشأن مواجهة الاحتجاز التعسفي في العلاقات بين الدول خطوة معيارية مهمة لتكريس معارضة سياسية جماعية، والدعوة إلى تحسين شروط الاحتجاز وضمان الوصول القنصلي وحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما يدعم توافقاً معيارياً يمكن البناء عليه. وفي هذا السياق، تم إنشاء هيئة دولية مستقلة للخبراء المعنيين بالاحتجاز التعسفي في عام 2024، وهي هيئة مؤسسية مكلفة بتحليل الثغرات القانونية وتقديم توصيات لتعزيز المساءلة والردع على الصعيد الدولي، ما يوفر إطاراً مرجعياً دقيقاً لتطوير الجهود القانونية والدبلوماسية.
وتظل العقوبات الموجهة ضد المسؤولين المتورطين أداةً مساندة تزداد فاعليتها كلما جرى تنسيقها متعدد الأطراف، إلى جانب تعميق تبادل المعلومات والضغط الدبلوماسي الجماعي ودعم مسارات التقاضي والتعويض للضحايا. وتستحق التدابير الوقائية اهتماماً مماثلاً عبر تعزيز تحذيرات السفر والمشورة لمزدوجي الجنسية والحد من بعض التدفقات أو الأنشطة التي تُسهّل استثمار الاحتجاز، بما يقلص عدد الأهداف المحتملة. وأخيراً يبقى التمسك بموقف مبدئي يرفض التطبيع غير المشروط وذلك عبر ربط أي تحسن في العلاقات بتغييرات قابلة للتحقق في السلوك، بما يوازن بين المعارضة المبدئية وإبقاء باب التسوية السياسية المستقبلية مفتوحاً عند تغير الظروف.






