تُجسِّد مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينت، على قناة سكاي نيوز، عقب الهجوم الإسرائيلي على قطر في 9 سبتمبر/ أيلول الحالي، نمطًا انتقائيّاً ومشوَّهاً في قراءة القانون الدولي لتسويغ العدوان. وعندما سُئل عن انتهاك سيادة قطر، رفض بينت، بصورة صريحة لافتة، الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي. ويعكس هذا التصريح منهجاً إسرائيليّاً يُخضِع فيه المبدأ القانوني لمقتضيات أمنية مزعومة.
تُمثّل الغارة الجوية الإسرائيلية على مجمّعات سكنية في الدوحة حلقةً إضافية في تآكل المعايير القانونية الدولية، ويُعد هذا العدوان هجوماً مباشراً على بنية النظام القانوني الدولي نفسه، إذ يتحدّى قواعد السيادة، وحُرمة مساحات الوساطة الدبلوماسية، وحماية السكان المدنيين. وقد أسفر الهجوم، الذي استهدف قياديين من المكتب السياسي لحركة حماس منخرطين في مفاوضاتٍ لوقف إطلاق النار في غزّة، عن سقوط سبع ضحايا، بينهم عنصر أمن قطري، وعرّض حياة المدنيين للخطر في منطقة تضم مدارس وبعثات دبلوماسية ورياض أطفال.
يُشكّل العدوان الإسرائيلي على قطر شبكةً معقّدة من الانتهاكات تمسُّ جوهر النظام القانوني لما بعد الحرب العالمية الثانية، وأبرزها مساسٌ صريحٌ بمبدأ السيادة والسلامة الإقليمية المنصوص عليه في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تُلزم الدول بالامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. وتُعد العملية العسكرية أحادية الجانب، انتهاكاً واضحاً لمبدأ السيادة، وهو حجر الزاوية في النظام الدولي، ولا يُستثنى منه إلا ما تقرّره المادة 51 بشأن الدفاع عن النفس، أو ما يأذن به مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. ولا يقتصر الانتهاك على مجرد التوغّل في الإقليم، بل يشمل كذلك مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول بوصفه قاعدة راسخة من قواعد القانون الدولي العرفي. إن استهداف أشخاصٍ على الأراضي القطرية، من دون تصريحٍ من سلطاتها المختصّة، يُعدّ مباشرةً لاختصاصٍ إنفاذي لا يملكه إلا صاحب الإقليم وفقًا للقانون الدولي.
وتنطوي الحادثة أيضاً على خروق جسيمة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، سيّما التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، فاستهداف مناطق سكنية تضم بعثات دبلوماسية ومدارس ورياض أطفال يُخالف مبدأ التمييز المنصوص عليه في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف. وحتى مع الافتراض القابل للطعن بقوّة، بالنظر إلى الطابع السياسي لا العملياتي لأدوار الحاضرين، أن بعض الأفراد كانوا أهدافًا عسكرية مشروعة، فإن تنفيذ الهجوم في منطقة مدنية مكتظة يخلّ بمبدأي التناسب واتخاذ الاحتياطات في الهجوم، ويُعرّض أرواح المدنيين والبنية التحتية لخطرٍ غير مُبرَّر، ما يجعله هجوماً عشوائيّاً منافياً لقواعد القانون الدولي الإنساني. والأخطر أنّ هذا الهجوم يقوّض نزاهة عمليات الوساطة المعترف بها دوليّاً، بما يتجاوز نطاق العلاقات الثنائية ليهدّد الإطار العالمي لتسوية النزاعات. وكما قال المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، فإن استهداف أطرافٍ منخرطة في وساطةٍ مدعومة دوليّاً على أراضي دولةٍ وسيطة ينالُ من حُرمة العمل الدبلوماسي نفسها. وتمثّل هذه السابقة رسالةً مُقلقة مؤدّاها أنّ الانخراط في مفاوضات السلام لا يوفّر حماية من القتل المستهدف، وأن الدول الوسيطة لا تستطيع ضمان سلامة المتفاوضين.
يهدّد انتهاك فضاءات الوساطة المحايدة بإضعاف البنية الكاملة لتسوية النزاعات دبلوماسيّاً التي تبلورت منذ صلح وستفاليا، فإذا عجزت الدول الوسيطة عن ضمان سلامة الأطراف، وغدت المشاركة في مسارات السلام محفوفةً بخطر الاغتيال المستهدف، فإن هيكل الحوافز للمشاركة الدبلوماسية سيتبدّل جذرياً، بما قد يدفع نحو ارتدادٍ خطِر إلى حلولٍ عسكرية بوصفها الوسيلة الأساسية لحسم النزاعات، ويُبدّد عقوداً من التقدّم في بناء آلياتٍ سلمية لتسويتها.
ويكشف تشكيلُ قطر فريقاً قانونيّاً لاتخاذ الإجراءات اللازمة في مواجهة العدوان الإسرائيلي عن المسارات المتاحة لإنصاف الضحايا عبر الآليات الدولية، على الرغم من القيود البنيوية الجسيمة التي تعتريها. وتُشكِّل محكمة العدل الدولية المحفل القضائي الأبرز للفصل في النزاعات بين الدول من هذا النوع. ويمكن لقطر تفعيل ولاية المحكمة عبر مسالك متعدّدة: البنود التوفيقية في المعاهدات المشتركة، أو الاختصاص الاختياري المنصوص عليه في المادة 36 الفقرة 2 من النظام الأساسي إذا كانت الدولتان قد أصدرتا الإعلانات اللازمة، أو باتفاق خاص، وهو احتمال ضعيف في ضوء طبيعة النزاع، وحيثما توافرت الولاية الابتدائية، يمكن طلب تدابير مؤقتة لدرء أضرار لا يمكن جبرها وحفظًا للحقوق إلى حين الفصل في الأساس.
يوفّر إطار مسؤولية الدولة في مواد لجنة القانون الدولي لعام 2001 تصورًا لالتزامات إسرائيل الناشئة عن هذه الانتهاكات، فبوصف الهجوم فعلًا غير مشروع دوليًا قابلًا للإسناد إلى الدولة، تنشأ التزامات أولية وثانوية: التزام بوقف السلوك غير المشروع فورًا وتقديم ضمانات بعدم تكراره، وهو أمر بالغ الأهمية في ضوء التصريحات الرسمية الإسرائيلية التي تلوّح بإعادة تنفيذ عمليات مماثلة؛ والتزام بجبر الضرر جبراً كاملاً، بما يشمل، بحسب مقتضى الحال، إعادة الحال إلى ما كان عليه قدر الإمكان، والتعويض عن الأضرار المادية وفقدان الأرواح، والتعويض المعنوي عن الانتهاك الجسيم للسيادة والكرامة، وقد يقتضي ذلك الترضية عبر الاعتراف بالخطأ والاعتذار، وإن كانت الاعتبارات السياسية تجعل تحقّق هذه المخرجات مستبعدًا.
وتثير هذه الانتهاكات كذلك التزامات تجاه المجتمع الدولي ككل، نظراً إلى ما تنطوي عليه من مساس بمبادئ السيادة الأساسية وتقويض لعمليات الوساطة الدبلوماسية بما يتجاوز العلاقة بين قطر وإسرائيل. ويُتيح هذا الطابع الجماعي، من حيث المبدأ، للدول الثالثة أن تحتج بمسؤولية إسرائيل وأن تطالب بوقف الانتهاك والجبر، حتى في غياب ضرر مباشر يلحق بها. ويجسّد استناد مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى منظومته للأمن الجماعي، معلناً أن الاعتداء على قطر اعتداءٌ على جميع دوله الأعضاء، تفعيلاً إقليمياً عمليّاً لهذا المنطق، فضلًا عن تأكيده وحدة الأمن الإقليمي ومقتضياته، غير أنّ معضلة الإنفاذ تكشف حدود البنية القانونية الدولية المعاصرة؛ إذ إن ارتكاز القانون الدولي على إرادة الدول وافتقاره إلى آليات مركزية ذات قوة قسرية يولّدان ما دأب الباحثون على تسميته بفجوة الإنفاذ. ويُظهر السجل العملي انعدام الامتثال الإسرائيلي للالتزامات الدولية، بما في ذلك إزاء أوامر وتدابير صادرة عن جهات قضائية دولية، وهو ما يفاقم التحدّي. وتُعقّد التوازنات الجيوسياسية، ولا سيما دعم قوى كبرى كالولايات المتحدة إسرائيل، إمكانات الإنفاذ الجماعي. وغالباً ما تحول البُنى الإجرائية لمجلس الأمن، وفي مقدمتها حق النقض للأعضاء الدائمين، من دون اتخاذ تدابير فعّالة حتى في حالات الانتهاك البيّن.
يمثّل العدوان الإسرائيلي على قطر في 9 سبتمبر/ أيلول 2025 مثالاً واضحاً على قدرة إسرائيل على التلاعب بالقانون الدولي وتجاهله، مع الحفاظ على غطاء قانوني زائف. وتتجاوز تداعيات الحادثة نطاق العلاقة الثنائية لتطاول سلامة منظومة العمل الدبلوماسي عالميّاً؛ فهي تُنشئ سابقة خطرة قد تُحبط مساعي الوساطة المقبلة وتُقوِّض مبدأ التسوية السلمية للنزاعات، كما تُظهر أن مبادئ القانون الدولي الأساسية، وفي مقدّمتها السيادة والحصانة المتصلة بفضاءات الوساطة وحماية الوسطاء، يمكن أن تُنتهك مع إفلات من العقاب متى توفّرت قدرة عسكرية ودعم سياسي كافيان. يهدّد هذا التآكل في القيود القانونية الركائز التي قام عليها النظام الدولي بعد عام 1945 من مساواة في السيادة وتعايش سلمي. وستحدّد ردّة فعل المجتمع الدولي ما إذا كان القانون الدولي سيحتفظ بقدرة فعلية على ضبط سلوك الدول، أم سينزلق تدريجيًا إلى مجرّد أداة خطابية تُستخدم انتقائيّاً لتحقيق أهداف سياسية وتُهمل عند تعارضها معها.