أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن إعلان تشكيل الشبكة العربية لاستقلال القضاء في العاشر من تموز 2025 يشكل لحظة فاصلة في مسار المبادرات القضائية الإقليمية، ويمثّل فرصة حقيقية لدعم مسار التحول السياسي في سوريا، نحو نظام ديمقراطي يحترم مبدأ فصل السلطات، ويضمن استقلال القضاء، بعد سنوات من إخضاع المؤسسة القضائية لأجندات نظام الأسد البائد.
استعرض عبد الغني في مقال تحليلي، ملامح الأزمة العميقة التي يعيشها القضاء السوري، مشيراً إلى أن المنظومة القضائية تعاني من انهيار شرعيتها وفعاليتها نتيجة للقبضة الأمنية التي فرضها نظام الأسد على مفاصلها.
واعتبر أن هذا الواقع يدفع باتجاه البحث عن مظلة إقليمية تعزز جهود الإصلاح، وتؤمّن غطاءً مؤسسياً داعماً لمبادرات العدالة الانتقالية، وخاصة في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
أوضح عبد الغني أن انخراط الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تأسيس هذه المبادرة لا يقتصر على التمثيل الرمزي، بل ينبع من قدرتها التوثيقية الواسعة، حيث راكمت منذ عام 2011 ما يزيد على 1800 تقرير حقوقي، إلى جانب قاعدة بيانات ميدانية هائلة تضم ملايين الحوادث والانتهاكات.
وأكد أن هذه القاعدة تشكل مورداً معرفياً نادراً يمكن أن يسهم في صياغة سياسات قضائية نابعة من الواقع السوري، تضع الضحايا في قلب مشروع إصلاح العدالة، وتحوّل سوريا من متلقٍ للمعرفة إلى مساهم فاعل في إنتاجها.
لفت عبد الغني إلى أن الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في المرحلة الانتقالية عقب انهيار النظام لم ينجح في كسر الإرث الاستبدادي، حيث أبقى على صلاحيات واسعة للرئيس في تعيين القضاة وتشكيل المحكمة الدستورية العليا، دون أي ضمانات مؤسسية، وأشار إلى أن غياب مجلس قضائي مستقل، وافتقار القضاة إلى الحماية من الانتقام السياسي، يكرّس التبعية، ويقوّض أي رهان على عدالة مستقلة في المستقبل القريب.
تناول عبد الغني ما وصفه بالفجوة الخطيرة في رأس المال البشري ضمن قطاع القضاء، موضحاً أن الكفاءات القضائية إما تم تهجيرها قسراً أو تمّت تصفيتها مؤسسيا خلال عهد الأسد، في حين أن المؤسسات التعليمية القانونية تعاني من انهيار كبير في المناهج والمصادر التدريبية.
ودعا إلى إطلاق برامج تدريب مهني بالتعاون مع قضاة عرب، وتفعيل برامج تبادل وخبرات، إلى جانب تهيئة آليات لإعادة إدماج القضاة المنشقين، ضمن بيئة تأخذ بعين الاعتبار آثار الإقصاء السياسي والنفسي.
شدد عبد الغني على أن نقل المعرفة القضائية يجب أن يكون مرناً وقابلاً للتكيّف، محذراً من استيراد نماذج جاهزة لا تتماشى مع الواقع السوري المعقّد، وأكد أن الشبكة العربية لاستقلال القضاء قادرة على لعب دور محوري في هذا المجال، من خلال توفير فضاء معرفي عربي يتبادل الخبرات المتنوعة، كتجارب العدالة الانتقالية في تونس والمغرب ولبنان، ويعمل على ملاءمتها مع الديناميكيات الاجتماعية والطائفية السورية، بعيداً عن الحلول النمطية الجاهزة.
أشاد عبد الغني بالدور الخاص الذي تضطلع به الشبكة السورية ضمن المشروع الإقليمي الجديد، من خلال ربطها بين التوثيق الميداني وعمليات إنتاج السياسات العامة، وهو ما يغيب عن كثير من المسارات الرسمية التي تتجاهل دور المجتمع والضحايا. وأكد أن رصيد الشبكة في هذا المجال يجعلها عنصراً أساسياً في أي مقاربة إصلاحية ذات مصداقية.
وأوضح عبد الغني أن قدرة الشبكة العربية على التأثير الفعلي في الواقع السوري ستعتمد على مدى استعداد السلطات الجديدة للتخلي عن النزعة المركزية، والانخراط الجاد في مسار مراقبة إقليمي مستقل، وتنفيذ التوصيات الإصلاحية.
واعتبر أن مجرد تحسين المهارات الفنية لا يكفي، بل لا بد من بناء شبكات مهنية وآليات مساءلة عابرة للحدود، تعزز مناعة العدالة السورية ضد أي ارتداد نحو الاستبداد.
اختتم عبد الغني مقاله بالتأكيد على أن بناء قضاء مستقل في سوريا لا يُقاس بعدد النصوص القانونية، بل بمدى قدرة المواطن على الوثوق بأن القاضي سينصفه ولو ضد الدولة نفسها.
وأكد أن العدالة المستقلة هي أساس أي ديمقراطية حقيقية، وأن الشبكة العربية لاستقلال القضاء تمثل خطوة بنيوية في هذا المسار، لكنها بحاجة إلى مناخ ثقافي وشعبي يؤمن بأن العدالة ليست أداة قانونية فقط، بل قيمة وطنية لا يمكن التنازل عنها.
وكانت أعلنت خمس عشرة منظمة من ست دول عربية، يوم الخميس 10 تموز/يوليو 2025، عن تأسيس شبكة إقليمية جديدة تهدف إلى الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، وترسيخ قيم العدالة، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم العربي، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها على المستوى الإقليمي.